مسؤولية الوالدين في تربية الاولاد:
فطر الله -عز وجل- الناس على حب اولادهم قال تعالى : (المال والبنون زينة الحياة
الدنيا)(8)،
ويبذل الابوان الغالي والنفيس من اجل تربية ابنائهم وتنشئتهم وتعليمهم، ومسؤولية الوالدين في
ذلك كبيرة، فالابناء امانة في عنق والديهم، والتركيز على تربية المنزل اولا، وتربية الام بالذات
في
السنوات الاول، فقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما
ينقش
عليها، فان عودوا الخير والمعروف نشاوا عليه، وسعدوا في الدنيا والاخرة، وشاركوا في ثواب والديهم،
وان عودوا الشر والباطل، شقوا وهلكوا، وكان الوزر في رقبة والديهم، والوالي لهم (9) .
ويمكن القول بان للاسرة دورا كبيرا في رعاية الاولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل
اخلاقهم وسلوكهم،
وما اجمل مقولة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- “الصلاح من الله والادب من الاباء”
. ومن يحلل شخصية
صلاح الدين الايوبي -رحمه الله-، فانه سيجد ان سر نجاحه وتميزه سببه التربية التي تلقاها
في البيت
(10). وما اجمل عبارة : ” ان وراء كل رجل عظيم ابوين مربيين”، وكما يقول
بعض اساتذة علم النفس :
“اعطونا السنوات السبع الاولى للابناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الابناء”. وكما قيل : “الرجال
لا يولدون بل يصنعون”.
وكما عبر الشاعر:
وينشا ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده ابوه
واهمال تربية الابناء جريمة يترتب عليها اوخم العواقب على حد قول الشاعر:
اهمال تربية البنين جريمة
عادت على الاباء بالنكبات
واذكر قصة في جانب الاهمال، سرق رجل مالا كثيرا، وقدم للحد فطلب امه، ولما جاءت
دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، وقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت
بيضة وانا صغير، فشجعتني واقرتني على الجريمة حتى افضت بي الى ما انا عليه الان(11)
.
ثالثا- الاسرة وبناء القيم والسلوك :
للوالدين في اطار الاسرة اساليب خاصة من القيم والسلوك تجاه ابنائهم في المناسبات المختلفة، ولهذا
فان انحرافات الاسرة من اخطر الامور التي تولد انحراف الابناء .
فالتوجيه القيمي يبدا في نطاق الاسرة اولا، ثم المسجد والمدرسة والمجتمع . فالاسرة هي التي
تكسب الطفل قيمه فيعرف الحق والباطل، والخير والشر، وهو يتلقى هذه القيم دون مناقشة في
سنيه الاولى، حيث تتحدد عناصر شخصيته، وتتميز ملامح هويته على سلوكه واخلاقه؛ لذلك فان مسؤولية
عائل الاسرة في تعليم اهله واولاده القيم الرفيعة، والاخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعي
من اجل الرزق والطعام والشراب واللباس..، قال : “الا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته،
فالامام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على اهل بيته، وهو
مسؤول عن رعيته، والمراة راعية على اهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم” (12)، وكان
يقول صلى الله عليه وسلم لاصحابه -رضوان الله عليهم-:” ارجعوا الى اهليكم فاقيموا فيهم وعلموهم”(13).
يقول ابن القيم -رحمه الله-: “فمن اهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد اساء
اليه غاية الاساءة، واكثر الاولاد انما جاء فسادهم من قبل الاباء واهمالهم لهم، وترك تعليمهم
فرائض الدين وسننه، فاضاعوها صغارا، فلم ينتفعوا بانفسهم ولم ينفعوا اباءهم كبارا)(14) .
وقصة الرجل مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي جاء يشتكي عقوق ابنه الى
امير المؤمنين، فطلب عمر: ان يلقى ابنه، فسال الابن عن عقوقه لوالده، فقال: ان ابي
سماني جعلا، ولم يعلمني اية واحدة..؛ فقال عمر للرجل: لقد عققت ابنك قبل ان يعقك.
ولذلك ينبغي تعويد الاولاد منذ صغرهم على بعض الامور الاساسية، من ذلك:
ا-الامر باعتناق العقيدة الصحيحة : تعريف الابناء باهمية التوحيد، وعرضه عليهم باسلوب مبسط يناسب عقولهم
.
ب-بعث روح المراقبة لله والخوف منه : بيان توحيد الاسماء والصفات، كالسميع والبصير والرحمن، واثرها
في سلوكهم .
ج-الحث على اقامة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: “مروا صبيانكم للصلاة اذا بلغوا سبعا،
واضربوهم عليها اذا بلغوا عشرا، وفرقوا بينهم في المضاجع” (15).
د- التحلي بمكارم الاخلاق والاداب العامة .
رابعا- المعاملة الحسنة في توجيه الاولاد :
امر الاسلام بالمساواة في المعاملة بين الاولاد في العطاء المعنوي والمادي، واوصى بمعاملة الاناث كالذكور
معاملة متماثلة دون تمييز للابناء على البنات.
لقد دعا الاسلام الى ايجاد وسط مستقر ينشا فيه الابناء بعيدا عن العقد النفسية والضغوط
الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لاهله، وانا خيركم لاهلي))(16). وكان عليه الصلاة
والسلام يمازح الغلمان “يا ابا عمير، ما فعل النغير”؟ (17).
وتتباين معاملة الاسر لاولادهم في ثلاثة انواع :
النوع الاول : المعاملة القاسية : تتسم بالشدة في التعامل كالزجر او التهديد او الضرب
بدون ضوابط او حدود مشروعة، او الاهمال للابناء بحجة ظروف العمل، وكثرة الاسفار، فيحرم الاولاد
من البر بهم والتعامل معهم .
النوع الثاني : المعاملة اللينة : يلبى فيها كل ما يطلبه الاولاد، ويطلق عليها “التربية
المدللة” والافراط في الدلال يؤدي الى خلق شخصية فوضوية.
النوع الثالث : المعاملة المعتدلة : تعتمد على المزج بين العقل والعواطف، وتوجيه النصح والارشاد،
وبهذا تتكون شخصية سليمة وصحيحة، واذا لم يستجب الاولاد بالارشاد والتوجيه يلجا الابوان الى توبيخهم
ثم هجرهم ثم حرمانهم من بعض الاشياء والامور المحببة اليهم احيانا، واخيرا الى ضربهم-اذا لزم
الامر- لاعادتهم الى الطريق الصحيح، وهذا النوع من المعاملة هي المعاملة الصحيحة التي ينبغي ان
تسير عليها الاسرة، يقول الدكتور اكرم ضياء العمري: “ان حب الطفل لا يعني بالطبع عدم
تاديبه وتعليمه اداب السلوك الاجتماعي منذ الصغر، مثل تعويده على التعامل الحسن مع اصدقائه، وتعويده
على احترام من هو اكبر سنا منه، وتعميق الرقابة الذاتية لديه، اي قدرته على تحديد
الضوابط لسلوكه تجاه الاخرين ؛ فاذا لا بد من التوازن بين التاديب للطفل والتعاطف معه،
فكما انه لا يصلح الخضوع الدائم لطلبات الطفل، انه لا يصلح استمرار الضغط عليه وكبته،
فالتدليل الزائد لا يعوده على مواجهة صعوبات الحياة، والضغط الزائد يجعله منطويا على نفسه مكبوتا
يعاني من الحرمان”(18).
خامسا- مخاطر تواجه الاسرة :
هناك مخاطر عديدة تواجهها الاسرة، ولا يمكن الاسهاب في تناولها، فنتناول ابرزها بايجاز:
ا-التناقض في اقوال الوالدين وسلوكياتهم :
بعض الاباء والامهات يناقضون انفسهم بانفسهم، فتجدهم يامرون الاولاد بامور وهم يخالفونها، وهذه الامور تسبب
تناقضا لدى الاولاد، فالاب الذي يكذب؛ يعلم ابناءه الكذب، وكذلك الام التي تخدع جارتها بمسمع
من بنتها تعلم ابنتها مساوئ الاخلاق.
ب-الانفصام بين المدرسة والاسرة:
الانفصام بين دور الاسرة في الرعاية والتوجيه، ودور المدرسة في التربية والتعليم؛ له اثار سلبية
عديدة، ولذا ينبغي مد جسور التعاون بين الاسرة والمدرسة، وايجاد جو من الثقة والتعاون في
سبيل الرقي بالاولاد قدما نحو البناء والعطاء .
ج-وجود المربيات والخادمات الاجنبيات :
اصبح وجود المربيات والخادمات ظاهرة بارزة في المجتمع الخليجي، ولا شك ان وجود هؤلاء له
اثار خطيرة في التنشئة الاجتماعية للاسرة، لاسيما هؤلاء الكافرات وذوات السلوكيات المنحرفة، لا بد ان
تعي كل اسرة خطورة وابعاد وجود الخادمات والمربيات الاجنبيات وتحذر من شرورهن.
د-وسائل الاعلام :
تؤكد نتائج الابحاث والدراسات بما لا يدع مجالا للشك ان الطفل العربي المسلم يتعرض لمؤثرات
خطيرة، وان شخصيته وهي في مراحل تكوينها تخضع لضغوط سلبية متنوعة .. يقول شمعون بيريز-رئيس
وزراء اسرائيل السابق-: “لسنا نحن الذين سنغير العالم العربي، ولكنه ذلك الطبق الصغير الذي يرفعونه
على اسطح منازلهم”(19).
ه- الفراغ وعدم الافادة من الوقت :
ينبغي ان يشغل الابناء في اوقاتهم بالنفع والفائدة، يقول النبي ‘: (نعمتان مغبون فيهما كثير
من الناس، الصحة والفراغ )(20). فهناك الاعمال التي يسهمون فيها بمساعدة والديهم والبر بهم، ويمكن
تعويدهم حضور مجالس الذكر وحلق العلم، وتلاوة القران الكريم، وقراءة قصص الصحابة والصالحين، او الاستماع
الى الاشرطة النافعة وغير ذلك.
واخيرا؛ اذكر مجموعة من التوجيهات التربوية الموجزة :
1-محاولة تخصيص وقت كاف للجلوس مع الابناء، وتبادل الاحادبث المتنوعة: الاخبار الاجتماعية والدراسية والثقافية وغيرها
.
2-التركيز على التربية الاخلاقية والمثل الطيبة، وان يكون الوالدان قدوة حسنة لابنائهما .
3-احترام الابناء عن طريق الاحترام المتبادل، وتنمية الوعي، والصراحة، والوضوح.
4- فهم نفسية الاولاد، واعطاؤهم الثقة في انفسهم .
5-اشراك الاولاد في القيام بادوار اجتماعية واعمال نافعة .
6-قبول التنوع في اختيارات الابناء الشخصية، كاختيار اللباس وبعض الهوايات..، طالما ليس فيها محاذير شرعية.
7-التشجيع الدائم للاولاد والاستحسان والمدح؛ بل وتقديم الهدايا والمكافات التشجيعية، كلما قدموا اعمالا نبيلة ونجاحا
في حياتهم.
8-عدم السخرية والتهديد بالعقاب الدائم للابناء، متى ما اخفقوا في دراستهم او وقعوا في اخطاء
من غير قصد منهم؛ بل يتم تلمس المشكلة بهدوء، ومحاولة التغلب على الخطا بالحكمة، والترغيب
والترهيب.
9-عدم اظهار المخالفات والنزاعات التي تحدث بين الوالدين امام سمع ابنائهم .
10-الصبر الجميل في تربية الابناء، وتحمل ما يحدث منهم من عناد او عصيان، والدعاء بصلاحهم
وتوفيقهم .
ومن هنا اود التاكيد مرة اخرى، على ان دور الاسرة في رعاية الاولاد ؛ هو
اقوى دعائم المجتمع تاثيرا في تكوين شخصية الابناء، وتوجيه سلوكهم، واعدادهم للمستقبل .