، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى اله واصحابه الطيبين
الطاهرين.
اما بعد،
ان هذا المثل (بلغ السيل الزبى) هو من الامثال العربية القديمة التي تقال في الاوقات
التي تصل فيها الامور الى حد لا يمكن
السكوت عليه، فينفذ حينها الصبر؛ لانه قد كان من غير المتصور او المتوقع ان تصل
الامور الى ذلك الحد، فاذا حدث ووصلت الى
ذلك الحد، ففي هذه الحالة تكون قد فاقت التوقعات والحسابات، فلا يحتمل الصبر حينها، ولا
يمكن السكوت عليها.
ان معنى (الزبى) كما يقول صاحب لسان العرب: « جمع زبية، وهي الرابية لا يعلوها الماء »
[لسان العرب / باب الواو والياء من
المعتل، فصل الزاي]، والرابية: هي كل ما ارتفع عن الارض. [راجع: لسان العرب]، وقيل ايضا
في معناها: انها حفرة تحفر للاسد بقصد اصطياده، ولا تحفر الا في مكان عال من
الارض؛ حتى لا يبلغها السيل. [راجع: لسان العرب].
ويقول صاحب مجمع الامثال في شرحه لمعنى (بلغ السيل الزبى): « هي جمع زبية، وهي حفرة
تحفر للاسد اذا ارادوا صيده، واصلها الرابية لا يعلوها الماء، فاذا بلغها السيل كان جارفا
مجحفا. يضرب لمن جاوز الحد. » [مجمع الامثال، ص91].
ويقال ان القصة التي تقف وراء هذا المثل هي ان رجلا كان يعمل في صيد
الاسود قام بحفر زبية عميقة على احدى الروابي، ثم قام بتغطيتها بالاغصان والاعواد ووضع الطعم
الذي سيخدع به الاسد ويجذبه الى تلك الزبية، فيسهل عليه اصطياده، ولكن كما يقال: تجري
الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث انه في ذلك اليوم امطرت السماء مطرا غزيرا وسالت
السيول حتى وصلت تلك الرابية وطمرت الزبية التي اعدها ذلك الصياد لاصطياد الاسد، فافسدت عليه
الصيد، فقال حينها هذا المثل: (بلغ السيل الزبى).
فاذا طرا على الانسان امر معين، او وقع في مشكلة ما وتفاقمت به الى ان
وصلت الى حد كبير فاق التوقعات ولا يمكن السكوت عليه، فحينئذ يستطيع هذا الانسان ان
يتمثل بهذا المثل: (لقد بلغ السيل الزبى)، فهو يشبه ذلك الامر الذي تجاوز حده بالسيل
الذي تفاقم وزاد في جريانه، فخرج عن المالوف وجاوز حده، ووصل به الامر الى ان
يصيب الرابية المرتفعة عن الارض، فيجرفها او يطمرها!
هذا ونسال الله الا يبلغ بنا السيل الزبى في اي امر من امور الحياة، ونساله
العفو والعافية، والحمد لله رب العالمين.