الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى اله وصحبه
، ومن سار على نهجه وهديه : اما بعد :
فان الناظر في احوال هذه الامة – اليوم – يجد امورا عجيبة منكرة !! ذلك
ان الانحراف في حياة هذه الامة متذبذب بين الارتفاع والانخفاض ، بحسب بعدها او قربها
من الالتزام الجاد بهذا الدين العظيم .
وامراض هذه الامة كثيرة موجعة ! وما لم يشخص المرض فلن ينجح الطبيب في وصف
العلاج الناجع ، ومن ثم تتفاقم الامور حتى تصل الى نتائج لا تحمد عقباها .
ومن الامراض الخطيرة في حياة الامة ، مرض (( الاستهزاء بالدين واهله )) سواء جاءت
جرثومة هذا المرض من خارج هذه الامة او من داخلها – وكلا الامرين واقع –
فالنتيجة واحدة في خطورته اذ يكفي فيه انه مخرج من الملة بالكلية .
تامل – اخي القارئ – حياة واحوال المستهزئين والساخرين في واقعنا – اليوم – تجد
عجبا ؛ وتحس بالم وحسرة يعتصر قلبك الذي اشرق عليه نور الايمان .
انظر – مثلا – الى كلام ينشر ويقرا لشعراء الحداثة اليوم ، حري ان يسمى
ب (( الاسهال العقلي )) تجد فيه كفرا بواحا من خلال سخريتهم بالله واستهزائهم به
وبرسوله وبدينه ، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك علوا كبيرا .
ثم تامل احوال كثير من الاعلاميين – وقد اصبح الاعلام اليوم سلاحا من اخطر الاسلحة
– تجد صنوفا من السخرية والاستهزاء والضحك على ثوابتنا وقيمنا الشرعية .
• فهذا كتاب يهزا بما بينه الله لنا في كتابه العزيز حول خلق ادم –
عليه السلام – فيسخر هذا الكاتب من كلام الله ، ويزعم ان اصل الانسان قرد
!!
• وثان : يرسم (( كاريكاتيرا )) يسخر فيه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وزواجه بتسع نساء .
• وثالث : يضحك ويغمز من يحكمون بشرع الله او يطالبون بتحكيم شرعه ، ويسميهم
بالاصوليين – المتطرفين ، الجامدين – اصحاب القرون الظلامية الضبابية .. الخ .
• ورابع : يسخر من الحجاب ويطالب بطرد المحجبات من الامتحان في كلية الطب !!
• وخامس : يهزا باللغة العربية ، ويصفها بالجمود والتحجر ، ثم يدعو للعامية او
اللاتينية بديلا عن لغة القران ، ويسخر من الادب الرفيع لهذه اللغة مطالبا بادب الفراش
والخنا (1) بديلا من ذلك السمو والعفاف !! .
• وسادس : يسخر من اقامة الحدود الشرعية ، ويرى في اقامتها بشاعة وفظاعة .
ثم يدعو للبديل ، وهو ان يتحول المجتمع الى عصابات وقطاع طريق باسم الحضارة وحرية
الانسان ! .
بل وصل الحال الى ان بعض المحسوبين على الدعوة والثقافة الاسلامية يهزا ويغمز ليلا ونهارا
بالمتمسكين بسنة سيد المرسلين ، ويصفهم باصحاب العقول المريضة والعته والسفه ، بل وسخر من
معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة في الصحيحين ، مثل حادثة شق صدره
صلى الله عليه وسلم وهو صغير في بني سعد ، واستخراج جبريل – عليه السلام
– لعلقة الشيطان من قلبه ، وحشوه ايمانا وكل ذلك ثابت في الصحيح على امر
وهيئة لا يستطيع العقل البشري ادراكها لقصوره وضعفه ، فيقوم هذا الساخر بانكار هذا قائلا
: انا رجل عقلي لا اؤمن الا بما يصدقه عقلي ، وهل الايمان سائل حتى
نصبه في قوارير !!! .
هذه انماط ذكرتها هنا لترى – اخي القارئ – خطورة الموضوع الذي نحن بصدده ،
فان المستهزئ لم يقدر الله حق قدره ، ولم يشعر بفداحة الجرم الذي ارتكبه واحسب
– والله اعلم – ان الاستهزاء بالدين واهله لم يبحث بحثا مستقلا شاملا ، يجمع
شتاته ، ويكشف للناس عواره ، خاصة وانه من الامور التي قد تقع من الانسان
بدون قصد ! وهنا مكمن الخطر .
فانه ان وقع بدون قصد فجرمه كبير ، وخطره على الايمان عظيم ، وان حصل
بقصد فجرمه اكبر وافظع ، وفي كلا الحالين لن يعذر هذا الهازل : (( قل
ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم )) سورة التوبة
اية : 65 ، 66 .
لذا رايت – مستعينا بالله تعالى – ان ادلي بدلوي في بيان هذا الناقض من
نواقض الاسلام ، عسى الله ان ينفع به ، وعسى هذه الامة ان تستيقظ وتنتبه
للخوارم والمزالق التي تفسد عليها امر دينها ، وعسى ان تاخذ امتنا دينها الحق بجدية
وصدق لا بسخرية واستهزاء وهزل !! فان الامة الهازلة لا مكان لها في واقع الحياة
والناس .
وان امة تاخذ دينها سخرية وضحك وتهمز وتغمز الدين واهله لهي امة قد تودع منها
(( وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون )) سورة هود اية 8
هذا وقد قسمت هذا البحث الى مقدمة وفصول ستة هي :
الفصل الاول : خطورة الاستهزاء .
الفصل الثاني : بواعث الاستهزاء .
الفصل الثالث : الاستهزاء عقبة من عقبات الدعوة الى الله تعالى .
الفصل الرابع : صور من مظاهر الاستهزاء .
الفصل الخامس : عقوبة وجزاء المستهزئين .
الفصل السادس : موقف المسلم من الساخرين والمستهزئين .
وختاما : اشكر ربي واحمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، على مايسر واعان
وسدد ، ثم اشكر اخواني الفضلاء من اهل العلم وطلابه الذين ساعدوني بمشورة او راي
او فكرة او كتاب .
اجزل الله لهم المثوبة ، ورزقنا جميعا الاستقامة والجدية في ديننا ودنيانا .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
كتبه :
محمد بن سعيد بن سالم القحطاني
قسم العقيدة بجامعة ام القرى
مكة المكرمة – حرسها الباري
الفصل الاول : خطورة الاستهزاء
الاستهزاء خلق من اخلاق اعداء الله ، تخلق به الكفار والمشركون ، وتخلق به المنافقون
الذين احترقت احشاؤهم على دين الله واهله .
ولذلك كشف الله – تعالى – هذا الخلق لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه
. ووردت ايات كثيرة في كتاب الله تبين موقف الانبياء والرسل من هذا الخلق الرديء
واصحابه ، بل صرحت هذه الايات بكفر هؤلاء الهازلين المستهزئين .
وثابت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ارحم الناس بالناس ، واقبل
الناس عذرا للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذرا لمستهزئ ، ولم يلتفت لحجة
ساخر ضاحك ، فحين سخر به وباصحابه من سخر في مسيره لمعركة تبوك – كما
سياتي تفصيل ذلك – وجاء الهازلون يقولون : انما كنا نخوض ونلعب : لم يقبل
صلى الله عليه وسلم لهم عذرا ، بل اخذ يتلو عليهم الحكم الرباني الذي نزل
من فوق سبع سماوات : (( قل ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا
قد كفرتم بعد ايمانكم )) سورة التوبة اية : 65 ، 66 .
ولكي ندرك خطورة وفداحة ما ارتكبوه : ننظر الى ملابسات حالهم ، فنجد انهم قد
خرجوا في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا الاهل والازواج والاولاد والاوطان
، وكان خروجهم في فصل الصيف ، وشدة حرارته معلومة ! وتعرضوا للجوع الشديد والعطش
الاليم ، ومع هذ1 كله لم يشفع لهم حال من هذه الاحوال حين استهزاوا برسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الاجلاء .
اما علماء الامة المحمدية فقد انعقد اجماعهم – رحمهم الله – في الماضي والحاضر على
ان الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح ، يخرج من الملة بالكلية ، ولكي يتضح
لك هذا الامر جليا : تامل حال المنافقين الذين هم في الدرك الاسفل من النار
تجد انهم من اشد الناس هزءا وسخرية بالله واياته ورسوله والمؤمنين ، وذلك امر مخرج
لهم عن الدين بالكلية قال – تعالى – عنهم :
(( واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء الا انهم
هم السفهاء ولكن لا يعلمون * واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى
شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون
* اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) سورة البقرة
اية : 13 – 16 .
ومن اجل خطورة الاستهزاء فقد ابرزه العلماء – رحمهم الله – في كتاب الردة من
كتب الفقه الاسلامي ، ولا شك ان الردة اعظم كفرا من الكفر الاصلي كما هو
معلوم عند اهل العلم .
يقول ابن قدامة المقدسي – رحمه الله – : من سب الله – تعالى –
كفر سواء مازحا او جادا ، وكذلك من استهزا بالله – تعالى – او باياته
او برسله او كتبه (1) .
وقال النووي – رحمه الله – : والافعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عمد
واستهزاء بالدين صريح (2) .
ونقل القرطبي – رحمه الله – عن القاضي ابن العربي – وهو يشرح موقف المستهزئين
في غزوة تبوك – قوله : لا يخلو ان يكون ما قالوه من ذلك جادا
او هزلا ، وهو كيفما كان كفر ، فان الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه
بين الامة ، فان التحقيق اخو العلم والحق ، والهزل اخو الباطل والجهل (3) .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ان الاستهزاء بالله واياته ورسوله
كفر ، يكفر به صاحبه بعد ايمانه (4) .
اما الامام المجدد ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – فقد عقد
بابا في كتابه القيم كتاب التوحيد عنونه بقوله : باب من هزل بشيء فيه ذكر
الله او القران او الرسول اي فقد كفر (5) .
ولعل الامام محمد بن عبد الوهاب ابرز علماء الامة في جعل الاستهزاء ناقضا صريحا من
نواقض الاسلام العشرة ذكر ان الناقض السادس هو الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله
عليه وسلم او ثوابه او عقابه(6) .
هذا وممن قال بكفر المستهزئ بالدين ، سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ –
رحمه الله – ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ،
وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – (7) .
فقد اتفقت فتاويهم على انه كافر خارج من الملة .
ولما كان كتاب الله هو كتاب التربية الاسلامية الحقة ، فقد حذر الله – سبحانه
وتعالى – المؤمنين ونهاهم عن خلق السخرية والاستهزاء ، لكي يقوم المجتمع المسلم على الصدق
والحق والاحترام والجدية ، بعيدا عن عيوب الجاهلية واخلاقها ، يقول – سبحانه – :
(( يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم
، ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ، ولا
تنابزوا بالالقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ، ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون
)) . سورة الحجرات اية : 11 .
يقول ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها ( ينهى – تعالى – عن
السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انه قال : (( الكبر بطر الحق وغمط الناس .
ويروى (( وغمط الناس )) ، المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام )
(8) .
ويقول الاستاذ سيد قطب – رحمه الله – في تفسير هذه الاية : ( ان
المجتمع الفاضل الذي يقيمه الاسلام بهدي القران ، مجتمع له ادب رفيع ، ولكل فرد
فيه كرامته التي لا تمس ، وهي من كرامة المجموع ، ولمز اي فرد هو
لمز للنفس ذاتها ، لان الجماعة كلها وحدة ، كرامتها واحدة ، والقران في هذه
الاية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب : (( ياايها الذين امنوا )) وينهاهم ان يسخر
قوم من قوم اي رجال من رجال ، فلعلهم خير منهم عند الله ، او
ان يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله .
وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير ، والرجل القوي من الرجل الضعيف ، وقد
يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل ، وقد يسخر ذو الاولاد من العقيم ، وذو
العصبية من اليتيم ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة
من المشوهة ، والغنية من الفقيرة ، ولكن هذه وامثالها من قيم الارض ليست هي
المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين .
ومن السخرية واللمز : التنابز بالالقاب التي يكرهها اصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيبا ،
ومن حق المؤمن على المؤمن الا يناديه بلقب يكرهه ويزري به ) (9) .
وخلاصة القول : ان الاستهزاء بالدين واهله ناقض للايمان ، سواء كان هذا الاستهزاء خفيا
ام ظاهرا .
يقول ابن تيمية – رحمه الله – : ( الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الايمان الذي
في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الايمان الظاهر باللسان كذلك ) (10)
.
الفصل الثاني : بواعث الاستهزاء
حين يذكر الاستهزاء بالدين واهله : يتبادر الى الذهن سؤال بتعجب : لماذا هذا الاستهزاء
؟ ولماذا هذه السخرية ؟! .
السنا على الحق ؟ السنا من استجاب لداعي الله وامن به ؟! .
فلماذا يسخر الناس بنا وبديننا ؟!! .
وللاجابة على ذلك اقول : ان للاستهزاء بواعث وعوامل انطوت على نفوس الهازلين الساخرين ،
لعل من اهم هذه البواعث والاسباب ما يلي :
1) الكره والحقد من الملا لهذا الدين العظيم : فان الله – سبحانه وتعالى –
جعل هذا الاسلام طريقا وحيدا فريدا لصلاح الدنيا والاخرة (( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون )) سورة الانعام
اية : 153 . فهذا الدين ينشئ الحياة من جديد ، نشاة فريدة ، على
نمط فريد عما عهده الناس .
انه يقلب موازين الجاهلية ، لينشئ – باذن الله – في هذه الحياة امة متميزة
في كل شئ ، متميزة في فكرها وشعورها ، وسلوكها ، وموازينها ، ومن ثم
فان هذا الامر لن تقابله الجاهلية – في القديم او الحديث – بسهولة وترحاب !!
كلا بل ستعانده وتقاومه بكل ما اوتيت من قوة ، وبكل حقد وكراهية .
انها تفعل ذلك ( وهي عالمة بما فيه من الحق والخير ، وبانه هو الذي
يقوم ما اعوج من شؤون الحياة ، وتكرهه لانها حريصة على هذا العوج لا تريد
تقويمه ، وتود ان تبقى الامور على اعوجاجها ولا تستقيم . تكرهه لانها هي الجاهلية
.. وهو الاسلام ) (11) .
قال – تعالى – : (( واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )) سورة
فصلت ، اية : 17 .
(( لقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره اني
اخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملا من قومه انا لنراك في ظلال مبين
)) سورة الاعراف ، اية : 59 – 60 .
(( والى عاد اخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره افلا تتقون
* قال الملا الذين كفروا من قومه انا لنراك في سفاهة )) سورة الاعراف ،
اية : 65 – 66 .
(( ولوطا اذا قال لقومه اتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين انكم
لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه
الا ان قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون )) سورة الاعراف ، اية :
80 – 82 .
ان هذا الكره الذي تصبه الجاهلية على دين الله وعلى الملتزمين به نابع من :
(( خشيتها على كيانها ومصالحها وشهواتها وانحرافاتها من النور الجديد ، فهي تحس في دخيلة
نفسها مقدار ما انحرفت عن الحق ، وحكمت الهوى واستسلمت للشهوات ، وتحس مقدار ما
تحرمها العقيدة الصحيحة حين تحكم الارض من مصالح ومنافع وشهوات اختلستها اختلاسا في غيبة النور
… يستوي في ذلك الذين استكبروا والذين هم مستضعفون ، فلكل في الجاهلية مصالح ومنافع
وشهوات يحرص عليها )(12) .
وحين ارسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم الى الناس بهذا الدين حرر الناس من
عبودية البشر وعبدوا لله الواحد الاحد ، ومن ثم اصبح الولاء لله وحده ، وليس
للعشيرة او القبيلة كما كان ولاء الجاهلية ، هذا الامر قد ازعج الملا الذين يريدون
ان يكون الولاء لاشخاصهم وليس لله وحده .
وياتي بعد الملا طبقات متعددة من الامة تكره هذا الدين وتستخدم سلاح السخرية والاستهزاء لمعارضة
هذا الدين واهله ، ومن هؤلاء كتاب وقصاصون واذاعيون وفنانون ونساء فاجرات متحررات من كل
فضيلة ، واصحاب خمور ومخدرات وغيرهم وغيرهم . يفعلون ذلك لان عملهم قائم على التجارة
المحرمة التي اذا قام دين الله جفف ذلك المستنقع القذر الذي يعيشون في وحله ويتكاثرون
في دنسه (13) . ان الحرص الشديد لاعداء الله على طمس وتشويه صورة الاسلام الناصعة
امر لا يجادل فيه الا مكابر ، لذا لا غرو اذا استخدمت السخرية والهزء سلاحا
فتاكا لتشويه هذه الصورة ونشر الضباب المعتم على وجهها المشرق ، ولكن الله متم نوره
ولو كره الكافرون .
2) ومن بواعث الاستهزاء :
النقمة على اهل الخير والصلاح : (( انهم اناس يتطهرون )) سورة الاعراف ، اية
: 82 . فمن المعلوم ان اهل الشر والفساد يزعجهم ويعكر صفو باطلهم وما هم
عليه ذلك الطهر والعفاف الذي يتحلى به الاخيار ، لهذا يسعى اولئك المفسدون الى تشويه
سمعة اهل الخير ، ويسخرون منهم ويغمزونهم (( انهم اناس يتطهرون )) فعلى منطق هؤلاء
المفسدين لا بد من تحويل المجتمع كله الى مجتمع رذيلة وسقوط ودنس ، اما ان
يبقى في الامة اصحاب طهر وعفة فهذا امر لا يطيقه الاشرار (( وما نقموا منهم
الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) . سورة البروج ، اية : 8 .
3) ومن بواعث الاستهزاء والسخرية : الفراغ وحب الضحك على الاخرين :
فان الانسان حين يفقد الهدف الاسمى الذي من اجله جاء لهذه الحياة ، وهو عبادة
الله وحده لا شريك له ، حين يفقد ذلك يحس – ولا شك – بفراغ
قاتل في حياته ، لذا سرعان ما يتجه لدروب الشيطان التي تملا عليه الفراغ ،
ولو كان ذلك بالاستهزاء بالله واياته ، ورسوله ، والمؤمنين ، وبعض النفوس المريضة لا
تتلذذ الا بالضحك على الناس والاستهزاء بهم ، والسخرية بخلقتهم وافعالهم ، والافتراء عليهم ،
وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق ، فقال في الحديث الصحيح
: ” وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله – تعالى – ما يظن ان
تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه الى يوم القيامة ” (14) .
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الضاحك المضحك الهازل بقوله صلى الله
عليه وسلم : ” ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم . ويل له ويل له
” (15) . وفي المسند : ” ان الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي
بها من ابعد من الثريا ” (16) .
ارايت هذه النصوص العظيمة من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم انها تصور واقع كثير
من الهازلين المستهزئين المضحكين ، يختلقون الاكاذيب واساليب الغمز واللمز بالمؤمنين والمؤمنات ليضحك احدهم ويضحك
الاخرين ، وكم ضاحك بملء فيه والله ساخط عليه ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
4) ومن بواعث الاستهزاء :
الكبر والنظر للنفس بالعجب والاكبار ، وللغير بالمهانة والاحتقار ، وقد ضرب الله على ذلك
امثلة في كتابه العزيز منها ما في سورة الكهف في قصة الرجلين حيث قال احدهما
للاخر : (( انا اكثر منك مالا واعز نفرا )) سورة الكهف ، اية :
34 . وفي هذا الخلق المذموم يقول العلامة السفاريني : (( المستهزئ بغيره يرى فضل
نفسه بعين الرضا عنها ، ويرى نقص غيره بعين الاحتقار ، اذ لو لم يحتقر
غيره لما سخر منه ))(17) . ثم يقول : (( كل من افتخر على اخوانه
واحتقر احدا من اقرانه واخوانه او سخر او استهزا باحد من المؤمنين ، فقد باء
بالاثم والوزر المبين )) (18) . وخلق الكبر الممزوج بالاستهزاء بالغير من اخلاق فرعون قال
الله – تعالى – عنه انه قال عن نبي الله موسى – عليه السلام –
: (( ام انا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) سورة
الزخرف ، ايه 52 .
يقول العلامة ابن كثير : (( وهذا الذي قاله فرعون – لعنه الله – كذب
واختلاق ، وانما حمله هذا على الكفر والعناد ، وهو ينظر الى موسى – عليه
السلام – بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى – عليه السلام – من الجلالة
والعظمة والبهاء في صورة يبهر ابصار ذوي الالباب . وقوله : ( مهين ) كذب
، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا ، وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار
الراشد )) (19) .
(( وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد ان يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه
الانهار تجري من تحته خيرا من موسى – عليه السلام – ومعه كلمة الحق ومقام
النبوة ودعوة النجاة من العذاب الاليم )) (20) .
ان حب الظهور والرياء والسمعة على حساب الاخرين خلق من اخلاق ذوي السخرية والاستهزاء واصحاب
النفوس المريضة ، فهم كالنباتات السامة الضارة التي تتسلق على الاشجار الباسقة والثمرات الطيبة لتفسدها
وتشوه صورتها .
ولهذا لا غرابة ان نجد اصحاب الكبر والاعجاب بالنفس يتخلقون بخلق السخرية وغمز ولمز المؤمنات
لما انطوت عليه تلك النفوس الشريرة .
5) ومن بواعث الاستهزاء :
التقليد الاعمى لاعداء دين الله ، حدث هذا في الماضي ، فقال الله فيهم :
(( كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون *
اتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، اية : 52 – 53
.
( كانما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون ، وما تواصوا بشيء انما هي طبيعة
الطغيان وتجاوز الحق والقصد تجمع بين الغابرين واللاحقين ) (21) .
ويحدث هذا في الحاضر ممن مسخت عقولهم وفتنوا بالحضارة الغربية ، ذلك ان انبهارهم بزيف
وبريق هذه الحضارة وضحالة فكرهم ، وقلة ثقافتهم بدينهم ، جعلهم ينعقون بالسخرية والاستهزاء بدين
الله واحكامه وشرائعه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم فاذا رايت او سمعت يهوديا او
صليبيا يهزا بشرع الله ويقول : ان رجم الزاني فيه وحشية وقسوة وجدت له تابعا
وامعة من ابناء المسلمين يردد بسخرية مقالة ذلك العدو الاصلي ، وان اردت مزيد ايضاح
فتامل موقف هؤلاء المقلدة من المخترعات الغربية وغيرها ، تجدهم يمجدونها وينبهرون بها ، واذا
ذكرت السنن النبوية ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم والامور الشرعية التي يعجز العقل
البشري عن ادراكها ، سمعت منهم الغمز واللمز ، والاستهزاء (( اتواصوا به بل هم
قوم طاغون )) وقد قال ربنا عن هؤلاء المقلدة انهم قالوا : (( انا وجدنا
اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون )) سورة الزخرف ، اية : 23 .
6) ومن بواعث الاستهزاء :
حب الدرهم والدينار وتحصيل المال باي صورة كانت ولو ادى ذلك الى الكفر بالله !!
.
ونلحظ هذا الامر في طائفة ( الممثلين ) في العصر الحاضر الذين يقدمون للناس افلاما
ومسرحيات هزلية ، ويستجلبون الضحكات وكل ذلك ليرتزقوا من وراء هذا العمل الدنس ، ولهذا
لا تعجب وانت تقرا في الصحافة عن الارقام الضخمة التي تصرف لهؤلاء المهرجين والهازلين المشهورين
بهذه المهنة . فقد اصبحت السخرية واضحاك الاخرين فنا وبطولة ونجومية عند من لا يعقلون
!!! والادهى من ذلك ان بعض الذين يعلقون يعجبون بهذا السفه ويرددونه في مجالسهم ومنتدياتهم
!! هذه اهم البواعث في نظري وقد يكون هناك امور اخرى لا تخفى – ان
شاء الله على فطنة القارئ الجاد .
الفصل الثالث : الاستهزاء عقبة من عقبات الدعوة الى الله تعالى
يشكو كثير من الدعاة من عنت الاستهزاء والمستهزئين ، ولكنهم حين يتاملون سيرة الانبياء والرسل
– عليه الصلاة والسلام – وهم اشرف خلق الله – يجدونهم قد استهزئ بهم وسخر
منهم ، فيكون في ذلك عزاء لهم مما يلاقونه من هؤلاء الساخرين ، قال –
تعالى – : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا
)) سورة الفرقان ، اية 31 . ويقول – سبحانه – : (( وكم ارسلنا
من نبي في الاولين * وما ياتيهم من نبي الا كانوا به يستهزءون )) .
سورة الزخرف ، اية 6 – 7 ويقول – سبحانه – : (( ياحسرة على
العباد ما ياتيهم من رسول الا كانوا به يستهزءون )) . سورة يس ، اية
30 .
هذا نبي الله نوح – عليه الصلاة والسلام – الذي دعا قومه الف سنة الا
خمسين عاما يقابل بالسخرية والاستهزاء ، فقومه يضحكون به ويسخرون منه حين راوه يصنع السفينة
؛ قال الله – تعالى – : (( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من
قومه سخروا منه قال ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون
من ياتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )) . سورة هود ، اية :
38 – 39 .
وقال – تعالى – عنهم انهم قالوا : (( ما هذا الا بشر مثلكم يريد
ان يتفضل عليكم ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين *
ان هو الا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )) (22) سورة المؤمنون ،
اية 24 – 25 .
ونبي الله هود – عليه السلام – ارسله الله الى عاد فسخروا منه وقالوا :
(( اجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ماكان يعبد اباؤنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من
الصادقين )) سورة الاعراف ، اية : 70 . (( قالوا ياهود ما جئتنا ببينة
وما نحن بتاركي الهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * ان نقول الا اعتراك
بعض الهتنا بسوء )) سورة هود ، اية 53 – 54 .
ونبي الله صالح – عليه السلام – ارسله الله الى ثمود فاجابوه بهذا الجواب :
(( قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن امن منهم اتعلمون ان صالحا
مرسل من ربه قالوا انا بما ارسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا انا بالذي
امنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا
ان كنت من المرسلين )) سورة الاعراف ، اية : 75 – 77 .
وهذا نبي الله لوط – عليه السلام – ارسله الله الى قومه فنهاهم عن فاحشة
اللواط ، واتيان الرجال شهوة من دون النساء فاجابوه ب (( وما كان جواب قومه
الا ان قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون )) سورة الاعراف ، اية :
82 . وفي سورة النمل ، اية : 56 . جاء قوله – تعالى –
: (( فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا ال لوط من قريتكم انهم
اناس يتطهرون )) .
وهذا شعيب – عليه السلام – يقابله قومه بالسخرية والاستهزاء فيصبر ويحتسب قال الله عنهم
: (( قالوا ياشعيب اصلاتك تامرك ان تترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في
اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد )) سورة هود ، اية 87 .
يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم (23)
اما نبي الله موسى – عليه السلام – فقد قوبل بسخرية لاذعة واستهزاء مهين من
بني اسرائيل قال – تعالى – : (( واذ قال موسى لقومه ان الله يامركم
ان تذبحوا بقرة قالوا اتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين )) سورة
البقرة ، اية 67 .
قال ابن عطية – رحمه الله – في معنى قوله : (( اعوذ بالله ان
اكون من الجاهلين )) يحتمل معنيين : احدهما الاستعاذة من الجهل في ان يخبر عن
الله – تعالى – مستهزئا .
والاخر من الجهل كما جهلوا في قولهم : (( اتتخذنا هزوا )) لمن يخبرهم عن
الله – تعالى – (24) .
اما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقى من الاستهزاء والسخرية ما تتفطر له
القلوب ، واجه صلى الله عليه وسلم سخرية قبائل العرب المشركين في الفترة المكية ،
وواجه سخرية واستهزاء المنافقين واليهود في الفترة المدنية – قال تعالى – : (( واذا
رءاك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم
كافرون )) سورة الانبياء ، اية : 36 .
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ( فاستهزاوا بالرسول صلى الله
عليه وسلم لما نهاهم عن الشرك ، ومازال المشركون يسبون الانبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون
، اذا دعوهم الى التوحيد ، لما في انفسهم من عظيم الشرك وهكذا تجد من
فيه شبه منهم اذا راى من يدعو الى التوحيد استهزا بذلك ، لما عنده من
الشرك ) (25) .
ويقول – سبحانه – عنهم : (( واذا راوك ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي
بعث الله رسولا * ان كاد ليضلنا عن الهتنا لولا ان صبرنا عليها وسوف يعلمون
حين يرون العذاب من اضل سبيلا )) سورة الفرقان ، اية : 41، 42 .
قال ابن اسحاق : ثم ان قريشا اشتد امرهم للشقاء الذي اصابهم في عداوة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن اسلم معه منهم ، فاغروا برسول الله صلى الله
عليه وسلم سفائهم فكذبوه واذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون .. مر بهم صلى
الله عليه وسلم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه
وسلم ثم مر بهم ثانية فغمزوه ، ثم الثالثة بمثلها فوقف ثم قال : اتسمعون
يامعشر قريش ، اما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فاخذت القوم كلمته حتى
ما منهم رجل الا كانما على راسه طائر واقع (26) .
وقد وصف الله همزهم وغمزهم بله صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه – : ((
وان يكاد الذين كفروا ليزلقوك بابصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون )) سورة القلم
، اية 51 .
وهكذا الدعاة الى شرعه وسنته ، يلاقون الاستهزاء والسخرية وتلك سنة باقية الى يوم الدين
.
ولهذا فان عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة واخر تفت في عضده واخر تقهقره وتجنبه واخ
لا تزيده الا صلابة في الحق واصرارا على الاستمرار في منهج الاصلاح ومقاومة الباطل وهذا
النمط الاخير هو الذي تحتاجه الامة ، وهو زاد الدعوة الى دين الله الحق لان
صاحبه ينظر الى اقوال الانبياء والرسل – كما مرت بك انفا – فيعلم ويستيقن انه
وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس الا دعوة الخير والتوحيد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر
واجتثاث الفساد من الارض ، ولهذا لا يعبا بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فانه من
الاذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل
ولا يستقيل .
الفصل الرابع : صور من مظاهر الاستهزاء
تتنوع مظاهر الاستهزاء حسب ما يصدر من المستهزئ او الساخر فقد تكون السخرية بالكلام ،
وهذا النوع اكثر من انواع الاستهزاء قديما وحديثا . وقد تكون السخرية بالاشارة غمزا بالعين
، او اخراج اللسان وقد تكون بحركة اليد .
ونظرا لكثرة صور الاستهزاء فقد قسمت هذا الفصل الى المباحث التالية
المبحث الاول : صور الاستهزاء بالله – سبحانه وتعالى – .
المبحث الثاني : صور من الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه .
المبحث الثالث : صور من الاستهزاء بشعائر الاسلام وسنن سيد الانام .
المبحث الرابع : صور من الاستهزاء بالمؤمنين .
واليك بيان ذلك :
المبحث الاول
صور من الاستهزاء بالله – سبحانه وتعالى –
ان من بدهيات الدين : ان الله – سبحانه وتعالى – واحد ، احد ،
فرد ، صمد ، لم يلد ولم يولد ، اول بلا ابتداء اخر بلا انتهاء
، هو القوي العزيز ، الجبار الكبير ، المتعال ، الذي لا يعجزه شئ في
الارض ولا في السماء ، له صفات الكمال والجلال : (( ليس كمثله شئ وهو
السميع البصير )) سورة الشورى ، اية 11 .
غير ان الذين كفروا بالله لم يقدروا الله حق قدره ، فكان من اقبح كفرهم
الاستهزاء بالله – سبحانه وتعالى – والسخرية به نعوذ بالله من ذلك – ومن صور
الاستهزاء بالله مايلي :
1) مايقوله الماديون الملحدون ( لا اله ، والكون مادة ، والطبيعة تخبط خبط عشواء
ولا حد لقدرتها على الخلق ) (27) .
ويمثل هذه الصورة كل شيوعي ماركسي مادي ، ولو نطق بالعربية الفصحى ! .
2) تربى على الفكر المادي الالحادي شرذمة من الناطقين باللغة العربية ، وجاءوا بغثاء من
القول سموه شعرا حرا ارادوا من خلاله التمرد على كل ثوابت هذه الامة فسخروا بالله
واستهزاوا به وتجراوا جراة لم يكد يسبق اليها ، وحين تقرا كلامهم تجد كفرا بواحا
تقشعر منه الجلود ، واليك امثلة من كلام هؤلاء :
• يقول عبد العزيز المقالح الذي هو من روادهم – وبعض الببغاوات لدينا يصفه بنبي
الحداثيين – : (( صار الله رمادا ، صمتا رعبا في كف الجلادين . حقلا
ينبت سبحات وعمائم بين الرب الاغنية الثروة والرب القادم من هوليوود ، كان الله قديما
حبا ، وكان نهارا في الليل اغنية تغسل بالامطار الخضراء تجاعيد الارض )) (28) .
3) ومن الاستهزاء بالله – تعالى – ما قاله الشيوعي الحداثي عبد الوهاب البياتي :
(( الله في مدينتي يبيعه اليهود ، الله في مدينتي مشرد طريد ، اراده الغزاة
ان يكون لهم اجيرا شاعرا قوادا ، يخدع في قيثارة المذهب العباد لكنه اصيب بالجنون
، لانه اراد ان يصون زنابق الحقول من جرادهم اراد ان يكون .. )) (29)
.
هل سمعت كفرا واستهزاء وسخرية بالله كهذه السخرية ؟! تعالى الله عما يقول المجرمون علوا
كبيرا ثم ما اسم هذا الزنديق ؟ عبد الوهاب !! .
4) اما شاعر المزبلة الفكرية نزار قباني فاسمعه يقول في قصيدة بعنوان اصهار الله :
وهل غلاء الفول والحمص والطرشي والجرجير شان من شؤون الله ؟!! (30) .
(( ياالهي … ان تكن ربا حقيقيا فدعنا عاشقينا )) (31) .
5) وشيوعي حداثي اخر اسمه محمود درويش يقول :
نامي فعين الله نائمة عنا واسراب الشحارير (32) .
6) اما كبيرهم الذي علمهم السحر بدر شاكر السياب فهو القائل :
فنحن جميعا اموات . انا ومحمد والله وهذا قبرنا انقاض مئذنة معفرة ، عليها يكتب
اسم محمد والله (33) . ثم يقول : (( وان الله باق في قرانا ما
قتلناه ، ولا من جوعنا يوما اكلناه )) (34) . تعالى الله وتقدس عن هذا
الكفر والنقائص !!! .
هذا غيض من فيض مما ينعق به هؤلاء الملاحدة ثم بعد ذلك يمجدون ويحمدون ويرفع
شانهم ولكن لا عليك فان ربك – سبحانه – يقول : (( ومن يتولهم منكم
فانه منهم )) سورة المائدة ، اية 51 .